"يسري مصطفى" فنان أبدع وعانى طويلا من المرض والتجاهل للأسف الشديد فإن الوسط الفني عندنا يعد قاسيا جدا مع أبنائه المبدعين، بل ويتجاهلهم ولا يقدرهم ماديا أو معنويا، في الوقت الذي نجد فيه أن بعض مدعي الفن يحصلون على الصيت والشهرة والنجومية والأموال وهم لا يمتلكون من الموهبة شيئا. وهذا الرأي ليس تجنيا مني وهو لا يبتعد عن الحقيقة، فالتاريخ شاهد على ذلك الأمر، فكثيرا ما رأينا كثيرا من الفنانين المبدعين يعانون ويشكون من التجاهل وعدم التقدير، ولعل ما حدث مع الفنان يسري مصطفى ليس هو الأخير، فهذا الفنان قد تميز إنسانيا بالطيبة والأخلاق العالية، بجانب كونه فنان صاحب موهبة كبيرة وتاريخ فني طويل، وأدى عددا كبيرا من الأدوار المتميزة في عدد من الأعمال الدرامية المصرية التي لاقت نجاحا كبيرا وانتشارا واسعا، ولكنه يعد واحدا من الفنانين الموهوبين المظلومين. حيث لم تستغل موهبته الفنية الكبيرة الاستغلال الأمثل، فلم يحصل أبدا على أدوار البطولة وتم حصره في الأدوار المساعدة طوال مسيرته الفنية، ولم تتم الاستعانة به إلا نادرا في أواخر حياته، فانصرفت عنه الكاميرا حتى كاد جمهوره الذي ظل يتابع أعماله طويلا أن ينساه. ولعل صراحته وجرأته كانت من أسباب ابتعاد المنتجين والمخرجين عنه، فقد ذكر الفنان يسري مصطفى يوما في أحد أحاديثه الصحفية أنه يستنكر تكرار الألفاظ الخارجة في العديد من المسلسلات التليفزيونية بحجة نقل الواقع، وذكر أن الفن يجب أن ينقى الواقع ثم يقدمه ولا ينقله، فالدراما تدخل للمشاهد البيت ويجب أن تكون نظيفة بعيدة عن الألفاظ الخارجة والإيحاءات الجنسية والإباحية. ولأن النسيان هو أكثر ما يؤلم الفنان حقا، وكذلك فإن عدم التفات المنتجين والمخرجين وتجاهلهم لفنان مبدع وصاحب تاريخ فني محترم بقدر يسري مصطفى يثير الشجن والألم والحسرة، وقد تحدث هو نفسه يوما عن أسباب ابتعاده عن الشاشة والألم يعتصر قلبه فقال: "أنا لم أبتعد باختياري، وإنما باختيار المنتجين، فأنا لم أعتزل الفن، ولكنني واحد من المركونين على الرف". هذا وقد عانى الفنان يسري مصطفى معاناة كبيرة أواخر حياته بسبب إصابته مرض الفشل الكلوي، الذي أثر عليه كثيرا في مظهره وحركته وطريقة كلامه، وتلقى جلسات غسيل الكلى بشكل منتظم، وذلك بعدما أجرى جراحات متعددة، منها عملية زرع كلية، ولكن ظلت حالته معقدة، وقد أنفق جميع أمواله على تكاليف العلاج التي أرهقته كثيرا حتى توفي في يوم 16 يناير سنة 2015. والمعروف أن الفنان يسري مصطفى قد بدأ مشواره مع الفن في سبعينيات القرن العشرين، وقد غلبت الأعمال التليفزيونية على اختياراته، حيث قدم عشرات الأعمال والأدوار التليفزيونية المتميزة، بينما قدم عددا قليلا من الأعمال السينمائية، لعل أهمها "اشتباه" و"الطريق إلى إيلات" و"يمهل ولا يهمل" و"الهروب إلى القمة". وبالنسبة للتليفزيون فلعلنا نتذكر أدواره المتميزة المتعددة مثل دور مصطفى الدوغري في مسلسل "عائلة الدوغري"، ودور سمير الابن الأكبر لحافظ ودولت في الجزء الثاني من مسلسل "الشهد والدموع"، وكذلك دور عاصم شقيق نازك السلحدار في مسلسل "ليالي الحلمية"، ودور أكرم هاشم في مسلسل "ضمير أبلة حكمت"، بالإضافة إلى دور الدكتور شريف في مسلسل "وما زال النيل يجري"، ودور ممدوح في مسلسل "الطاحونة". كما اشترك الفنان يسري مصطفى في عدد كبير من المسلسلات التليفزيونية المعروفة منها: "تاجر السعادة"، و"حرب الجواسيس"، و"بعد الفراق"، و"رأفت الهجان"، و"زيزينيا" الجزء الأول، و"حضرة المتهم أبي"، و"يتربى في عزو"، و"أسمهان"، و"الشك"، و"ظل المحارب"، و"بوابة الحلواني"، و"بوابة المتولي"، و"أديب"، و"أخو البنات"، و"أوراق مصرية"، وغيرها. والجدير بالذكر أن الفنان يسري مصطفى قد شارك في عدد كبير من المسلسلات الدينية والتاريخية، وكان مخرجو هذه المسلسلات يسندون إليه في الغالب أدوار قادة الفرس والرومان والبربر، وذلك لأن ملامحه أقرب إلى الغرب منها إلى الشرق، ومن أشهر هذه الأعمال "محمد رسول الله" و"محمد رسول الله إلى العالم" و"الفتوحات الإسلامية" و"هارون الرشيد" و"الطارق" و"عمر بن عبد العزيز" - @aliabdelazemali