@yaras.blog: الإيجاز: هو وضع المعاني الكثيرة في ألفاظ أقلّ منها، وافية بالغرض المقصود، مع الإبانة والإفصاح كقوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (الأعراف 199)، فهذه الآية القصيرة جمعت مكارم الأخلاق بأسرها. وكقوله تعالى: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ (الأعراف 54)، وكقوله عليه الصّلاة والسّلام: «إنّما الأعمال بالنّيّات». فإذا لم تفِ العبارة بالغرض سُمّي «إخلالًا وحذفًا رديئًا» كقول اليشكري: والعيش خير في ظلا. ل النَّوْك ممن عاش كدّا مراده: أنّ العيش النّاعم الرَّغد في حال الحمق والجهل خير من العيش الشّاق في حال العقل، لكن كلامه لا يعدّ صحيحًا مقبولًا. وينقسم الإيجاز إلى قسمين: إيجاز قصر وإيجاز حذف. فـ«إيجاز القصر» (ويُسمّى إيجاز البلاغة) يكون بتضمين المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة من غير حذف، كقوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَياةٌ (البقرة 179). فإنّ معناه كثير ولفظه يسير؛ إذ المراد أن الإنسان إذا علم أنّه متى قَتَلَ قُتِلَ امتنع عن القتل، وفي ذلك حياته وحياة غيره؛ لأنّ القتل أنفى للقتل، وبذلك تطول الأعمار، وتكثر الذرية، ويقبل كل واحد على ما يعود عليه بالنّفع، ويتم النظام، ويكثر العمران. فالقصاص: هو سبب ابتعاد الناس عن القتل، فهو الحافظ للحياة. وهذا القسم مطمح نظر البلغاء، وبه تتفاوت أقدارهم، حتّى إنّ بعضهم سُئل عن «البلاغة» فقال: هي «إيجاز القصر». وقال أكثم بن صيفي خطيب العرب: «البلاغة الإيجاز». و«إيجاز الحذف» يكون بحذف شيء من العبارة لا يخِلُّ بالفهم، عند وجود ما يدلّ على المحذوف من قرينة لفظيّة أو معنويّة. وذلك المحذوف إمّا أن يكون: 1 حرفًا، كقوله تعالى: وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (مريم 20) أصله: ولم أكن. 2 أو اسمًا مضافًا، نحو: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ (الحج 78) أيّ: في سبيل الله. 3 أو اسمًا مضافًا إليه، نحو: وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ (الأعراف 142) أيّ: بعشر ليالٍ. 4 أو اسمًا موصوفًا، كقوله تعالى: وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا (الفرقان 71) أي: عملًا صالحًا. 5 أو اسمًا صفة، نحو: فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ (التوبة 125) أيّ: مضافًا إلى رجسهم. 6 أو شرطًا، نحو: فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (آل عمران 31) أيّ: فإن تتبعوني. 7 أو جواب شرط، نحو: وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ (27 الأنعام) أيّ لرأيت أمرًا فظيعًا. 8 أو مسندًا، نحو: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه (الزمر 38) أيّ: خلقهنّ الله. 9 أو مسندًا إليه، كما في قول حاتم: أماويُّ ما يغني الثّراء عن الفتى إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصّدر أيّ: إذا حشرجت النّفس يومًا. 10 أو متعلّقًا، نحو: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (الأنبياء 23) أيّ: عمّا يفعلون. 11 أو جملة، نحو: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ (البقرة 213) أيّ: فاختلفوا فبعث. 12 أو جملًا، كقوله تعالى: فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ (يوسف 45 – 46) أي: فأرسلوني إلى يوسف لأستعبره الرؤيا، فأرسلوه فأتاه، وقال له: يوسف أيّها الصّديق. واعلم أنّ دواعي الإيجاز كثيرة منها: الاختصار، وتسهيل الحفظ، وتقريب الفهم، وضيق المقام، وإخفاء الأمر على غير السّامع، والضّجر والسآمة، وتحصيل المعنى الكثير باللّفظ اليسير… ويستحسن «الإيجاز» في الاستعطاف، وشكوى الحال، والاعتذارات والتعزية، والعتاب، والوعد، والوعيد، والتّوبيخ، ورسائل طلب الخراج، وجباية الأموال، ورسائل الملوك في أوقات الحرب إلى الولاة، والأوامر والنواهي الملكية، والشكر على النعم. ومرجعك في إدراك أسرار البلاغة إلى الذوق الأدبي والإحساس الروحي. من كتاب «جواهر البلاغة» لأحمد الهاشمي ص 224 – 225 #اللغة_العربية #البلاغة_العربية