@mohammedtaqi3136: ١ – المسافر على طريق الولاية كان المسافر يسير في طريق لا يشبه الطرق التي ألفها البشر. لم يكن طريقًا محفوفًا بالمباني، ولم تكن تحيط به الأشجار، بل كان فضاءً واسعًا، طريقًا يتشكل من النور ذاته، يمتد عبر الزمن والوجود، يتشابك مع الحقيقة المطلقة. كان طريق الولاية، حيث لا يسير فيه إلا من تطهر قلبه بحب محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)، ومن رفض كل ظل من ظلال الأوهام. كان قد عبر بوابات كثيرة، التقى الشيطان وحاوره، رأى البرزخ، شهد القيامة، وتخطى كل تلك العتبات ليصل إلى المكان الذي لا يصل إليه إلا المخلصون. وهنا، عند مفترق الأزمنة، وجد رجلاً ينتظره، رجلاً لم يتغير منذ آلاف السنين، رجلاً كانت الأساطير تحكي عنه، لكن القليل فقط من أدركوا حقيقته. كان هو الخضر. ٢ – ظهور الخضر: الرجل الذي يعيش خارج الزمن لم يكن يشبه أحدًا ممن قابله من قبل. لم يكن عجوزًا، ولم يكن شابًا. لم يكن يحمل علامات الزمن، وكأنه لم يتأثر به أبدًا. كان يقف هناك، بثوب أخضر يضيء كأنه انعكاس لسر إلهي مخفي. نظر إليه المسافر، وأدرك فورًا أنه ليس أمام إنسان عادي. هذا رجل شرب من ماء الحياة، رجل تجاوز الفناء، رجل يعرف سر البقاء. لكن السؤال الذي شغل المسافر كان: هل يعرف الخضر الحقيقة المطلقة؟ هل يدرك الولاية الحقيقية؟ هل يسير في طريق محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)؟ وقبل أن ينطق المسافر بكلمة، تحدث الخضر بصوت هادئ لكنه يحمل أصداء العصور: “لقد جئتَ بعيدًا، أيها المسافر. تخطيت حدود الفهم العادي، وعبرت حواجز العقول المتحجرة. لكن هل تدرك حقًا ما تبحث عنه؟” ابتسم المسافر وقال: “أنا لا أبحث عن شيء، لأن الحقيقة ليست شيئًا يُطلب، بل هي شيء يُكشف. وأنا لم أعد أسير نحوها، بل أصبحتُ فيها.” نظر إليه الخضر بعمق، ثم قال: “إذن، فأنت تعلم أن كل معرفة لا تمر عبر باب الولاية هي مجرد سراب؟” أجاب المسافر دون تردد: “وهل هناك غيرها؟ كل شيء يبدأ من ولاية محمد وآل محمد، وكل شيء ينتهي فيها. هي الأصل، وهي المآل. هي الغاية، وهي الوسيلة. ومن لم يدخل من هذا الباب، بقي تائهًا، ولو ظن أنه يعرف كل شيء.” ٣ – جدلية المعرفة والاختبار ضحك الخضر بهدوء، ثم قال: “ولكن، أيها المسافر، لو كانت المعرفة بهذه البساطة، فلماذا يضلّ الناس؟ لماذا يسيرون في الظلام، مع أن النور أمامهم واضح؟” تنهد المسافر وقال: “لأن المعرفة ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي امتحان. إنها ليست معلومة تُحفظ، بل تجربة تُعاش. ألم يقل الله في كتابه: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ (البقرة: 155)؟” أومأ الخضر برأسه، ثم قال: “إذن، أنت تدرك أن الحقيقة ليست مجرد كلمات، بل يجب أن تُختبر، أن تُعاش، أن تُحفر في الوجود ذاته.” اقترب المسافر خطوة وقال: “لهذا كانت ولاية محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم) هي الامتحان الأعظم. فمن قبلها، فقد اجتاز كل الاختبارات، ومن رفضها، فقد فشل حتى لو ظن أنه قد عبر كل العتبات. فالاختبار الحقيقي هو اختبار الولاء، الولاء للحق المطلق.” ٤ – قصة موسى والخضر: الحقيقة الغائبة ابتسم الخضر وقال: “إذن، أخبرني، أيها المسافر، ماذا فهمت من قصتي مع موسى؟” تذكر المسافر القصة التي رواها القرآن، حيث سافر موسى ليبحث عن العلم، فوجد الخضر، لكنه لم يستطع الصبر على أفعاله، حتى قال له الخضر في النهاية: “هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ” (الكهف: 78). قال المسافر: “لقد قرأ الناس قصتك مع موسى آلاف المرات، لكنهم لم يفهموا مغزاها. لم يكن اختبار موسى مجرد اختبار صبر، بل كان اختبار تسليم. موسى، مع عظمته، لم يستطع أن يفهم الحكمة الخفية خلف أفعالك، لأنه كان لا يزال محكومًا بالعقل الظاهر، بالمنطق السطحي. لكنه لم يدرك أن هناك بعدًا آخر للحقيقة، بعدًا لا يُفهم إلا عبر الولاية.” أومأ الخضر برأسه وقال: “إذن، أنت تدرك أن الحقيقة لا تُنال بالعقل وحده، بل بالقلب، وبالتسليم؟” قال المسافر بحزم: “الحقيقة لا تُنال إلا بالتسليم لمن جعلهم الله أبوابها، وهم محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم). لقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن لم يدخل من هذا الباب، بقي خارج المدينة، مهما ظن أنه يعلم.” ٥ – الخضر وولاية أهل البيت (عليهم السلام) ساد الصمت للحظات، ثم قال الخضر بصوت عميق: “أخبرني، أيها المسافر، هل تظن أنني كنتُ من أهل الولاية منذ البداية، أم أنني كنتُ ممن ضلوا الطريق ثم اهتدوا؟” نظر إليه المسافر بتمعن، ثم قال: “أنت ممن وصلوا إلى الحقيقة، لكن ليس كل من وصل إليها أدركها فورًا. لقد عشتَ خارج الزمن، لكنك كنتَ تبحث، كنتَ تختبر، كنتَ تسعى. لكن السؤال الحقيقي هو: هل وجدتَ الجواب؟ هل أدركت أن كل شيء يعود إلى نقطة واحدة، وهي ولاية محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)؟” يتبع في التليجرام