@y3pa: " عبءُ التظاهرِ بأنَّ كلَّ شيءٍ على ما يُرامُ " أعتقدُ أنَّ الدورَ الوحيدَ الذي نجحتُ في تأديتِه هو تمثيلُ التظاهرِ بأنَّ كلَّ شيءٍ يسري على أفضلِ أحوالِه ، رغمَ أنَّ لا شيءَ يدعو إلى ذلكَ ، إنَّهُ أنْ تعيشَ بينَ الناسِ وأنتَ تحملُ بداخلكَ ضجيجًا لا يهدأُ ، أنْ تبتسمَ في وجوهِهم بينما في داخلكَ مدينةٌ منطفئةٌ ، أنْ تتظاهرَ بالقوةِ بينما تنهارُ في كلِّ لحظةٍ ألفَ مرةٍ ، هو أنْ تُتقنَ فنَّ إخفاءِ الألمِ ، وكأنَّك ممثلٌ بارعٌ على خشبةِ مسرحٍ لا نهايةَ لعرضِه ، تُدركُ جيّدًا أنَّ لا أحدَ يريدُ أنْ يرى الحقيقةَ كما هي ، الجميعُ يريدُ أنْ يراكَ صامدًا ، قويًّا ، مبتسمًا ، قادرًا على تجاوزِ كلِّ شيءٍ ، حتى وإنْ كنتَ تغرقُ في الداخلِ ، حتى وإنْ كانَ صوتُ أفكارِكَ يعلو فوقَ أيِّ شيءٍ آخرَ ، حتى وإنْ كانَ كلُّ ما فيكَ يصرخُ طلبًا للراحةِ ، لكنَّكَ تستمرُّ في هذا الأداءِ ، لأنَّكَ اعتدتَ عليهِ ، لأنَّكَ تخشى أنْ يُدركَ الآخرونَ كمْ أنتَ منهكٌ ، كمْ أنتَ متعبٌ ، كمْ أنَّكَ تعيشُ على حافةِ الانهيارِ في كلِّ لحظةٍ ، إنَّهُ التناقضُ القاسي ، أنْ تكونَ في داخلكَ ممتلئًا بالأسئلةِ التي لا إجابةَ لها ، تبحثُ عنْ معنى لما تمرُّ بهِ ، عنْ تفسيرٍ لهذا الشعورِ الدائمِ بالتيهِ والاغترابِ ، لكنَّكَ لا تجدُ سوى صمتٍ طويلٍ ، لا أحدَ يعرفُ ما يدورُ في رأسِكَ ، لا أحدَ يدركُ حجمَ الأفكارِ التي تتصارعُ داخلكَ ، ورغمَ ذلكَ ، تخرجُ إلى العالمِ كأنَّ كلَّ شيءٍ على ما يُرامُ ، كأنَّكَ شخصٌ طبيعيٌّ ، بسيطٌ ، لا يُثقلُ عقلَه بأسئلةٍ لا نهايةَ لها ، لكنَّ الحقيقةَ هي أنَّ عقلَكَ لا يتوقّفُ عنْ التفكيرِ ، لا يكفُّ عنْ التحليلِ ، عنْ محاولةِ فهمِ الأشياءِ التي لا يمكنُ فهمُها ، تتساءلُ بينكَ وبينَ نفسِكَ ، متى أصبحْتَ هكذا؟ متى بدأْتَ في لعبِ هذا الدورِ؟ متى بدأْتَ في ارتداءِ هذا القناعِ الذي أصبحَ جزءًا منكَ؟ هل كانَ ذلكَ حينَ أدركْتَ أنَّ العالمَ لا يتقبّلُ الضعفاءَ؟ حينَ فهمْتَ أنَّ الشكوى عبءٌ لا أحدَ يرغبُ في سماعِه؟ أمْ كانَ ذلكَ حينَ جرّبتَ أنْ تبوحَ بما في داخلكَ ، فلمْ تجدْ منْ يفهمُكَ؟ لمْ تجدْ سوى عباراتٍ جاهزةٍ ، كلماتٍ جوفاءَ تُقالُ فقطْ لإسكاتِك ، لمْ تجدْ سوى نظراتٍ باردةٍ تخبرُكَ أنَّ عليكَ أنْ تكونَ بخيرٍ ، حتى وإنْ لمْ تكنْ ، وما أصعبَ أنْ تتظاهرَ بأنَّ كلَّ شيءٍ على ما يُرامُ وأنتَ تدركُ في قرارةِ نفسِكَ أنَّهُ ليسَ كذلكَ ، أنْ تبتسمَ بينما تشعرُ أنَّك على وشكَ الانهيارِ ، أنْ تتحدّثَ بثقةٍ بينما في داخلكَ فراغٌ يبتلعُ كلَّ شيءٍ ، هذا الإرهاقُ المستمرُّ منَ التظاهرِ ، منَ التماسكِ الزائفِ ، منَ الادعاءِ بأنَّكَ قويٌّ في حينِ أنَّ كلَّ شيءٍ ينهارُ منْ حولِكَ ، كمْ مرةٍ أردْتَ أنْ تتوقفَ عنْ لعبِ هذا الدورِ؟ كمْ مرةٍ أردْتَ أنْ تعترفَ أنَّكَ متعبٌ ، أنَّكَ تحتاجُ إلى راحةٍ ، إلى كتفٍ لا يُلقي عليكَ الأحكامَ ، بلْ فقطْ يمنحُكَ شعورًا بأنَّك لستَ وحدَكَ؟ لكنَّكَ في كلِّ مرةٍ تخذلُ نفسَكَ ، تقفُ مجددًا أمامَ الآخرينَ بوجهٍ هادئٍ ، بصوتٍ ثابتٍ ، بإيماءاتٍ توحي بأنَّكَ بخيرٍ ، لكنْ هل أنتَ بخيرٌ حقًّا؟ أمْ أنَّكَ اعتدتَ على إخفاءِ التعبِ حتى لمْ تعُدْ تعرفُ كيفَ تعبِّرُ عنه؟ أمْ أنَّكَ أصبحتَ تخشى أنْ تفقدَ هذا القناعَ ، لأنَّكَ لا تعرفُ منْ تكونُ دونه؟ لقدْ أصبحَ التظاهرُ جزءًا منْكَ ، كأنَّهُ درعٌ ترتديهِ كيْ لا تتكشّفَ هشاشتُكَ أمامَ الآخرينَ ، ومعَ ذلكَ ، في بعضِ الليالي حينَ يهدأُ العالمُ منْ حولِكَ ، حينَ تختفي الضوضاءُ ، وتبقى وحيدًا معَ أفكارِكَ ، تشعرُ بثقلِ هذا القناعِ ، تشعرُ أنَّهُ يضغطُ على روحِكَ ، أنَّهُ يسرقُ منكَ أكثرَ ممَّا يمنحُكَ ، تتساءلُ ، ماذا لو تخلّيتُ عنهُ؟ ماذا لو كنتُ أنا دونَ تصنّعٍ؟ ماذا لو تركْتُ نفسي تكونُ كما هي ، بضعفِها وقوتِها ، بانكسارِها وصلابتِها؟ ، لكنَّكَ في النهايةِ ، تعودُ إلى دورِكَ منْ جديدٍ ، تعودُ إلى التظاهرِ بأنَّ كلَّ شيءٍ على ما يُرامُ ، لأنَّ هذا ما اعتدتَهُ ، لأنَّ العالمَ لنْ يمنحَكَ مساحةً لتكونَ كما أنتَ حقًّا . مُعَمَّر

مُعَمَّر

Open In TikTok:

Region: IQ

Friday 28 February 2025 21:36:11 GMT