@mada_baad: حين يغادرون… لا أحد يرحل حقًا، ولا أحد يبقى تمامًا. ثمة أشياء لا تُقال لكنها تُفهم، وثمة نظرات تنطق حين تصمت الشفاه، وثمة رحيل يحدث قبل أن يخطو أحدهم خارج الدرب. يغيبون وكأننا لم نحملهم يومًا في صدورنا، وكأن حضورهم كان مجرد ظل ألقى نفسه على جدار حياتنا، ثم تلاشى مع أول ريح. أشدّ الأبواب وقعًا على القلب ليست تلك التي تُغلق بصخب، بل التي تُترك مواربة، موحيةً بأن أحدًا قد يعود. نعلق بين الاحتمالين، نصفُنا متمسكٌ ببقايا الدفء، ونصفُنا الآخر يُشيّد الجدران خشية أن تتسلل برودة الغياب إلى العظم. لكن الحقيقة أن لا أحد يعود كما كان، حتى نحن، حين نحاول العودة إلى أنفسنا القديمة، نجد أن ملامحنا شُوّهت بفعل من مرّوا ورحلوا. ليس كل من مضى كان يريد الرحيل، وليس كل من بقي كان يعني البقاء. بعض الأيادي تُفلت رغم أنها اشتدت يومًا على كفوفنا، وبعض القلوب تتغير رغم أنها أقسمت أنها لن تنبض إلا بنا. وليس أسوأ من أن نفقد أحدًا، إلا أن نرى بقاياه تتناثر فينا، في الأماكن التي اعتدنا أن نشاركه فيها، في العادات التي غرسها فينا، في الأغاني التي لم نكن نحبها لكنها باتت تذكرنا به. أب يرحل… لا شيء يشبه غياب الأب. لا يغادر كالغرباء، بل يترك خلفه أثرًا في كل زاوية، في كل نصيحة لم ننصت لها جيدًا، في كل نظرة حملت من الحب أكثر مما استطاعت الكلمات أن تحمله. نبحث عنه في ملامحنا، في طريقة جلوسنا، في صوتنا حين نرفع الهاتف لنناديه دون وعي. لكن الصدى يجيبنا، ولا شيء أقسى من أن تنادي أحدًا لا يسمعك. تستمر الحياة… هكذا يقولون. تشرق الشمس كما كانت تفعل دائمًا، تمتلئ الشوارع بالناس، تتحرك عقارب الساعة وكأن شيئًا لم يكن. لكننا نعرف الحقيقة. نعرف أن كل شيء قد تغيّر، وأن العالم لم يعد كما كان، حتى لو بدا ثابتًا في عيون الآخرين. يبقى الألم… ربما يتغير شكله، ربما يصبح أخف وطأة، لكنه لا يزول. الألم الذي يتركه التخلي ليس ألم الفقد وحده، بل ألم الأسئلة التي لا إجابة لها، ألم الذكريات التي لا يمكن استعادتها، وألم الحاجة إلى شخص لن يعود. ذلك تخلي… أن تترك وأنت لا تريد، أن تُترك وأنت لا تفهم، أن تصبح بلا خيار، مجرد شاهد على حكاية كان لك فيها دور البطولة، ثم انتهت دون أن يمنحوك حق معرفة السبب. مجرد وقت… قد نحتاج العمر كله لنتجاوز بعض الوجوه، وقد لا يكفينا الوقت كله لننسى بعض الأصوات. لكننا نعيش، نتنفس، نمضي، وإن كنا نحمل في قلوبنا صدى من رحلوا… لسنا نحن من نختار من يبقى ومن يرحل، ولسنا نحن من نحدد متى ينطفئ نور أحدهم في حياتنا. كل ما يمكننا فعله هو أن نحملهم في ذاكرتنا، بوجوههم التي حفظناها، بأصواتهم التي لا تزال تتردد في زوايا أرواحنا، وبكل التفاصيل الصغيرة التي لا يراها أحد سوانا. نظن أن النسيان هو الحل، لكنه وهمٌ نطارده عبثًا. نحن لا ننسى، نحن فقط نتعلم كيف نحمل الغياب دون أن ينكسر ظهرنا تحت ثقله. نكمل الطريق رغم الفراغات التي خلّفها الراحلون، ونبحث عن دفءٍ جديد بين برودة الذكريات. نظن أننا تجاوزنا، لكننا في الحقيقة تعلمنا أن نخفي ندوبنا جيدًا. أن نبتسم في وجه الأيام رغم ثقل الأسى في صدورنا. أن نقف بكامل قوتنا رغم هشاشتنا في الداخل. فالحياة لا تمهلنا كثيرًا، والعالم لا يتوقف ليواسي قلوبنا المنكسرة. في النهاية، لا أحد يعود كما كان، ولا نحن نبقى ذاتنا التي كناها قبل الغياب. كل وداع يأخذ جزءًا منا معه، وكل رحيل يُعيد تشكيلنا بطريقة ما. فإما أن نصبح أقوى، أو نظل نحمل في أعماقنا ندبة لا تلتئم..... لا تلتئم .

مَاذَا بَعْدْ؟
مَاذَا بَعْدْ؟
Open In TikTok:
Region: DZ
Tuesday 11 March 2025 21:16:48 GMT
2813
150
11
26

Music

Download

Comments

user1413716623470
ㄖㄩ爪Ҩ|爪Ҩ :
you are the best one 👌🏻❤️
2025-03-13 14:42:24
0
up..qu
علي :
مبدع ✨
2025-03-13 04:13:43
1
tothmh
❦𝓽ꪖꫝꪖꪀ𝓲❦ :
لاشيء يعود.. مهما بكينا..
2025-03-12 23:33:48
1
user1123046211735
قطره الندى :
الكلام في السرد واقع.. أو يبدو كواقع مفروض.. للأسف، هل نعاتب الحياة ونقول هي السبب أم الذين يعيشون في الحياة وهم سبب إتهام الحياة بالظلم لهم.. وأنا أقول نحن ظلمنا الحياةوليست هي الظالمه.. مجرد رأيّ🤔
2025-03-12 19:06:39
1
hapy957
hapy957 :
أخي الكريم هل تسمح لي بالنشر
2025-03-12 15:58:20
1
suunylve
❤️‍🩹 :
🌷🌷
2025-03-11 21:49:40
1
abudganaadam395
abudganaadam395 :
♥️♥️♥️♥️
2025-03-13 00:04:47
1
user563269771163
البوبشي :
🥰🥰🥰
2025-03-12 00:45:49
1
To see more videos from user @mada_baad, please go to the Tikwm homepage.

Other Videos


About