الإدمان هو اضطراب دماغي معقّد لا يُختزل في كونه عادة سيئة أو مجرد خيار شخصي، بل هو نتيجة لتغيرات بيولوجية ونفسية وسلوكية متشابكة تحدث تدريجيًا في الجهاز العصبي المركزي، وتؤثر بشكل مباشر في دوائر المكافأة، وضبط الذات، واتخاذ القرار داخل الدماغ. في الوضع الطبيعي، يعمل الدماغ على مكافأة السلوكيات التي تضمن البقاء والتكاثر، مثل الأكل والنوم والتواصل الاجتماعي، عن طريق إفراز "الدوبامين"، وهو ناقل عصبي يُشعر الإنسان باللذة والرضا. ولكن عند تعرّض الإنسان لمحفّز خارجي غير طبيعي – مثل المواد المخدرة أو الإباحية أو الألعاب أو غيرها – يتم إفراز كميات مفرطة من الدوبامين، تفوق بكثير ما يفرزه الدماغ في الظروف العادية. هذا الفائض لا يمر مرور الكرام، بل يُربك نظام المكافأة، ويبدأ الدماغ في تعديل نفسه للتعامل مع هذا الوضع الجديد. مع التكرار، يحدث ما يُعرف بـ"التحمّل العصبي" (Neuroadaptation)، أي أن الدماغ يعتاد على المستويات المرتفعة من الدوبامين ويبدأ في تقليل عدد المستقبلات العصبية أو حساسيتها. والنتيجة؟ يشعر الشخص بمتعة أقل مع نفس السلوك، ويضطر إلى زيادته أو تعاطيه لفترات أطول للوصول إلى نفس التأثير السابق. هذه المرحلة تُعرف بـ"التحمّل" (Tolerance). وفي الوقت نفسه، تتعطل دوائر الدماغ المسؤولة عن ضبط السلوك – مثل القشرة الجبهية الأمامية (Prefrontal Cortex) – والتي تتحكم في اتخاذ القرار، والتخطيط، وضبط النفس. وهكذا يفقد الإنسان تدريجيًا قدرته على قول "لا"، ويجد نفسه منجرفًا نحو السلوك القهري رغم معرفته بنتائجه السلبية، فيما يُعرف بفقدان السيطرة (Loss of Control). تتطور الحالة مع الوقت إلى ما يُعرف بـ"الاعتماد" (Dependence)، حيث لا يعود الإنسان قادرًا على الشعور بالحياة الطبيعية دون هذا السلوك أو المادة، بل يُصاب بأعراض انسحابية نفسية أو جسدية إذا توقف عنه. يصبح السلوك الإدماني حينها وسيلة لتجنّب الألم لا للحصول على المتعة، ويبدأ الإنسان في الدخول في دورة مغلقة من التكرار، والذنب، ثم العودة للسلوك ذاته كوسيلة للهروب من الواقع. من هنا نفهم أن الإدمان ليس مشكلة أخلاقية، بل مشكلة عصبية سلوكية تحتاج إلى علاج شامل يأخذ في الاعتبار التغيرات التي حدثت في الدماغ، ويعيد تدريبه تدريجيًا على استعادة التوازن الطبيعي. التعافي لا يقتصر على الامتناع عن السلوك فقط، بل يتطلب إعادة بناء نمط حياة صحي، وتطوير مهارات التكيّف، وتفكيك الروابط الذهنية والعاطفية التي تكونت حول السلوك الإدماني. هذه الرحلة تبدأ بالوعي العميق، ثم الالتزام بخطة متكاملة تشمل الدعم النفسي، والتأهيل السلوكي، وربما التدخلات الطبية في بعض الحالات. والخبر الجيد هو أن الدماغ لديه قدرة مذهلة على التعلّم والتعافي، فيما يُعرف بـ"المرونة العصبية" (Neuroplasticity)، لكن الأمر يحتاج وقتًا، وصبرًا، ومثابرة. #الشعب_الصيني_ماله_حل😂😂 #مشاهدات #france #100kviews #انتشار_سريع - @buildingmotivation_1